الدماغ والتمارين الرياضية
الانتباه والتركيز
يَنشط الدماغ أثناء أداء نشاط ما، ما يدفع الخلايا
العصبية لاطلاق إشارات باتساق وإصدار موجات دماغية، وإنّنا حين نكون نائمين على الطّيار
الآلي أو ننظف أسناننا أو نشاهد التلفاز، فإنّ موجاٍت منخفضة التردد تكون هي
السائدة. أمّا الموجات العالية التردد تدعى موجات بيتا تكون سائدة حين نكون في وضع
التركيز ومعالجة المعلومات.
يرصد استخدام التصوير الكهربائي للدماغ نبضات كهربائية، و
قد اكتشف الباحثون أنّ ممارسة التمارين الرياضية يكثّف تردد ونطاق موجات الدماغ، ولموجات
بيتا تأثيرًا على زيادة حالة التّيقُظ لديك.
تُبين سوزوكي قائلًة: " أظهرت الدراسات أنّ ممارسة رياضة
الأيروبيك تعزز القدرة على تركيز وتحويل الانتباه."
ويعتقد الخبراء
أنّ سبب تحسّن التركيز يعود إلى زيادة الدوبامين والذي بدوره يقوم بتهدأة الذهن.
وقد أثبت راتي أنّ للنشاط البدني دورًا في تخفيف أعراض اضطراب
نقص الانتباه واضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه عند الأطفال والبالغين على حٍد
سواء.
التّعلم
تتركز وظائف التّعلم والتّذكر في الحُصين وهو منطقة
صغيرة الحجم محصور في مركز الدماغ، إلا أنه ليس بإمكاننا أن نتعلم دون مساعدة
القشرة الأمامية، أحد الأسباب أن الإرسال في الدماغ حيوي إلى حِد كبير.
يقوم عامل التغذية العصبية النيروتروفين ببناء والمحافظة
على الدوائر الخلوية الأساسية للدماغ، و من بين تلك العوامل في منطقة الحُصَين،
عامل عصبي مستمد من الدماغ تم اكتشافه حديثًا، وهو عبارة عن بروتين يحث على نمو
الخلايا العصبية.
ييبن راتي قائلًا: " للعامل العصبي المستمد من
الدماغ عدة وظائف، فهو يعين خلايا الدماغ على العمل والنمو ويمنعها من التلف ويساعد
على علاج الضغوط و يزود خلايا الدماغ بالبيئة المناسبة لنموها. يتحرر العامل
العصبي المستمد من الدماغ حين تطلق الخلايا العصبية إشارات ما يدفع الدماغ لانتاج العامل
العصبي المستمد من الدماغ. و أثناء ممارسة الرياضة فإنّ تلك الخلايا العصبية تطلق
إشارات كثيفة ما يرفع مستويات العامل العصبي المستمد من الدماغ.
كما يعمل النشاط البدني على تحفيز عوامل هرمونية أخرى على
العمل، كعامل النمو الشبيه بالأنسولين وعامل نمو بطانة الأوعية الدموية وعامل نمو
الخلايا الليفية، كل تلك العوامل تتدفق إلى الحاجز الدموي الدماغي فتقوم بدوها متعاونة
مع العامل العصبي المستمد من الدماغ في تحسين الآلية الجزيئية للتعلم.
بالإضافة
إلى أنّ هرمون النمو الشبيه بالأنسولين يقوم بإصال الكلوكوز الذي يمثّل الوقود
الأساسي للدماغ إلى الخلايا العصبية ما يُحفّز على التعلم.
يقول
راتي إنّ ممارستنا رياضة الجري، لن تحوّلنا إلى نوابغ ومن المؤكد أنّ ممارسة الرياضة
تتعز القدرة على التعلم و تزيد معدل التحصيل العلمي. ويؤمن كل من راتي وسوزوكي بضرورة
التربية البدنية المدمجة في الصفوف الدراسية بغية تحسين طرق التعلم.
وماذا
عن البالغين؟ تقول سوزوكي أنّه لايتوجب علينا البحث عن قرص الدواء السحري الذي
يجعلنا أكثر فطنة، بل علينا أن نبحث عن نظام تدريبي سحري يحسّن كل تلك المناطق في
الدماغ.
الذاكرة
خلال
استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، اكتشف باحثو جامعة كولومبيا أنّ العامل العصبي
المستمد من الدماغ يساعد على إنتاج خلايا عصبية جديدة (تدعى هذه العملية تَخلُّق
النسيج العصبي) في منطقتين من الدماغ: هما الحُصَين
وهو أساسي للذاكرة طويلة المدى، والبصلة الشميّة وهي منطقة مسؤولة عن حاستي الشم
والتذوق، وهذه العملية تؤثر على إدراكنا الحسي للعالم.
وتشير سوزوكي إلى أنّه تبيّن خلال الاختبارات التي
أجريت على القوارض، أنّ للتمارين الرياضية دور في مضاعفة معدل تَخلُّق النسيج العصبي،
كما أنّه يزيد عدد وطول الأشواك التغصّنية في الخلايا العصبية وكل ذلك يؤدي دورًا
في تعزيز التواصل العصبي. تدعى تلك التغيرات الفيسيولوجية بالتقوية طويلة المدى،
كما وجد الباحثون في دراسات أخرى أجريت على القوارض أنّ ممارسة التمارين الرياضية بالتقوية طويلة المدى تحسّن
وظيفة الحُصَين وذلك تبعًا لاختبارات الذاكرة التي جرت على نطاق واسع.
و تَبيّن في دراسات أخرى تحصيلات الذاكرة مشابهة عند البشر. وفي تقرير تم نشره عام 2016 في مجلة الحدود في علم الأعصاب البشري، وقد أجرى الباحثون مسحات للرنين المغناطيسي في البلدان التي يمارس أبناؤها رياضة الجري وحددت قدرة أكبر بكثير على الاتصال مقارنًة بالمجموعة الضابطة لغير ممارسي رياضة الجري بين أجزاء من الدماغ مرتبطة بالانتباه واتخاذ
القرار وتعدد المهام ومعالجة
المُدخلات الحسيّة والذاكرة.
الإبداع و التَّخيُّل
يَنشط
الحُصين بالنشاط الكهربائي أثناء أداء التمارين الرياضية كما أنّه يُوقد بالتّخيل
أو التفكير بالمستقبل وما يتعلق به. وفي دراسة تم نشرها عام 2014 في مجلة علم
النفس التجريبي، تم تقسيم 176 شخص من طلاب
جامعيين و بالغين إلى مجموعتين، قامت إحدى المجموعتين بالسير أثناء أداء اختبار الابداع،
أمّا الأخرى فكانت في وضع الجلوس أثناء أداء الاختبار ذاته، وقد حصل الأشخاص الذين
كانوا يتجولون على معدل أعلى ب 81 بالمئة. يقول ماريلي اوبيزو عالم نفس في جامعة
ستاندفورد وهو مؤلف مشارك بالدراسة "إنّنا لا نقول أنّه يمكن بالسير أن نصبح
ميتشيلانجيلو (كان رسّام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي)، إلا أنّه من الممكن أن يساعد
على البدء بأول مراحل الابداع." تعتقد سوزوكي أنّه يمكن لمثل هذا التعزيز في
الابداع والتخيل أن يساعدنا في تكوين عالم أفضل، وتقول "هذا يرفع أيضًا احتمالية
أن تحسّن التمارين الرياضية الإضافية من قدرتنا على تخيّل المستقبل بصورة جديدة".
المصدر: من هنا