ما هي التربية المتساهلة؟
بقلم:
ويندي وايسنر
كلٌ منا يربي أطفاله بطريقة مختلفة، معتمدين على حدسنا ومعتقداتنا الشخصية معاً. وقد قام الباحثون بتحديد أربعة أساليب مختلفة للتربية، منها: الصارمة، والمتسلطة، والمتساهلة، وغير المستجيبة، حيث كانت ديانا بومرين -المختصة بعلم النفس السريري - أول من أدرك هذه الأساليب، وقام كل من الينور ماكوبي وجون مارتن بتطويرها لاحقاً.
وأحد هذه الأساليب التربوية (الأبوية) هي التربية المتساهلة، التي يتم الإشارة إليها أحياناً بـ "التربية المتسامحة" والتي تتميز بمستوىً عالٍ من العواطف الدافئة يظهره الأبوان بخلاف المستوى المنخفض للانضباط والأسلوب البّناء، وهذا النوع من التربية لا يتم التوصية به غالباً من قبل أطباء الأطفال والمعالجين النفسيين.
لنلقِ
نظرةً عميقة على أسلوب التربية هذاـ تعريفه، صفات الأبوين المتساهلين، التأثير
التنموي لهذا الأسلوب على الأطفال، والطرق التي يمكن أن يصبح بها الأبوين أقل تساهلاً.
ما هي الأبوة المتساهلة؟
تقول طبيبة الأطفال -الحاصلة على دكتوراه في الطب وماجستير في الصحة العامة والرئيس التنفيذي لمؤسسة (موديرن مامي دوك) و(موديرن ماما كلب اب) ويتني كاساريس - أنّ الأبوين المتساهلين عادةً ما يكونان محبين، ولكن بالمقابل لا يفرضان أيّ قواعد أو قوانين، وتصف "التربية المتساهلة (ما يعرف بـ التربية المتسامحة) أنها أسلوبٌ تربوي يقوم على انخفاض في النضج وضبط النفس، ومقابل ذلك، يتم التركيز بشكل كبير على التنشئة." وقالت أيضاً "بصفتي أماً وطبيبةَ أطفال غير أنّي لا أنصح باتباع هذا الأسلوب في التربية"
أوضحت مايرا مينديز -الحاصلة على الدكتوراه ومستشارة زوجية وعائلية مجازة، ومنسقة برامج في مركز التنمية والطفولة في بروفيدانس سانت جون -أنّ الآباء الذين يتبعون هذا الأسلوب التربوي عادةً ما يستخدمون أسلوب عدم التدخل، حيث لا يضع هذا النوع من الآباء أي حدود أو أساسات لأطفالهم بالإضافة الى عدم توجيههم على تحمُّل المسؤولية الشخصية أو تنظيم مشاعرهم بشكل سليم.
ولقد سارت الطبيبة ميندز على النهج نفسه الذي سارت عليه الطبيبة كاساريس إذ أنّها لا توصي بهذا الأسلوب الأبوي. وتقول: "يكمن خطر [الأبوة المتساهلة] في وقف تطوير اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية على نطاق أوسع للمعايير المجتمعية والسلوكية".
صفات الأبوين المتساهلين:
تقول ميغان داوني - أخصائية علم النفس السّريريّ - لا يمكن القول أنّ الأبوين المتساهلين لا يملكان صفات إيجابية، حيث إنّ الكثير من الآباء المتسامحين يستجيبون ويتناغمون مع أطفالهم عاطفياً، وتشرح د.داوني أنّ المشكلة تكمن في أنّ الآباء متسامحون بشكل مفرط على وجه العموم.
"الأبوان المتسامحان لا ينزعان لفرض عواقب، ويحددان القليل من التوجيهات، ويُحملان أطفالهم بعض المسؤولية،" وتصفهم د. داوني. قائلة "إنّهم أصدقاء أكثر من كونهم آباء."
تقول د.مينديز: بعض الصفات الأخرى للأبوين المتساهلين هي أنه غالبًا ما يفضل أحدهما عدم التّعامل مع إدارة تحدّيات سلوك الطفل ، كما تقول د.منديز. في كثير من الحالات، يتركون "تربية" الطفل للطفل نفسه.
"يمكن أن يبدو الأبوين المتساهلين غير معنيين لأنهم يتجنبون إعادة التوجيه، أو وضع تعليمات، أو تعليم الحدود المناسبة لبعض السلوكيات". ونتيجة لذلك، فإن هؤلاء الآباء عادة ما يكونون غير قادرين على تعليم أطفالهم أنواع المهارات الوظيفية والتكيفية التي يحتاجها الأطفال للتطور السليم، كما أشارت د.منديز.
أمثلة على التربية المتساهلة:
عندما يتعلق الأمر بوضع حدود أو فرض عقوبات على الأبناء، يحاول الآباء المتساهلون البقاء بعيداً عن ذلك المشهد.
قد يبدو هذا النهج مختلفًا اعتمادًا على ظروف الطفل وعمره.
تقول د.كاساريس، "على سبيل المثال، إذا ضرب طفل شقيقه، فإن الأب المتساهل لن يفرض أي عقوبة". "في الواقع، قد لا يقول شيئًا لمعالجة هذا السلوك". وبالمثل، إذا كان الطفل لا يريد جمع ألعابه المبعثرة، فلن يحاول الأبوان المتساهلان التشديد على هذه المسألة. تقول د.كاساريس: "يبقى الوالد صامتًا ويجمعهما بنفسه".
قد تشمل الأمثلة الأخرى على الأبوة المتساهلة ألا يفرض
أحد الوالدين وقت نومٍ محددٍ للطفل، مما يؤدي إلى عدم حصول الطفل على القسط الكافي
من النوم، وكما تقول د.منديز، وتضيف أنّ التربية المتساهلة قد تبدو أيضًا مثل الوالد الذي
يسمح للطفل بتناول ما يريد، دون التّفكير في القيمة الغذائية التي يحتاجها الطفل.
وأما بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، فقد يسمح أحد الوالدان لطفله بالمشاركة في أنشطة خارج المنزل دون علمه بمكان تواجد طفله أو مع من يتعامل.
وتقول د.مينديز: "في هذه الحالة، قد يعطي أحد الوالدين للطفل
مجالاً لإتخاذ قرارات قد لا يكون الطفل قادراً على إدارتها". و "في كثير
من الأحيان، قد لا يرغب الأبوان في إثارة غضب الطفل بوضع حدود، فيسمحون لهم بالقيام
بأنشطة غير ملائمة لهم ولا تخضع للمراقبة وفي وقت غير مناسب."
آثار التربية المتساهلة
وغالباً ما يهتم الآباء المتسامحون برغبة أطفالهم أو ميولهم العاطفية، وعادةً ما يكونون أكثر دفئاً وحناناً نتيجة إهمالهم في وضع الحدود والقواعد التي تكون سبباً في عرقلة بعض المهارات التنموية الهامة التي ينبغي تطويرها عند أطفالهم.
تُظهر الأبحاث أنّ الأطفال الذين تتم تربيتهم على يد أبوين متساهلين، هم الأكثر عرضة لاكتساب عادات غذائية سيئة، والتي يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية في المستقبل. إضافةً إلى إبتعادهم عن إتباع عادات النوم، وإتمام الواجبات المدرسية، وفترة استخدامهم للأجهزة الالكترونية، مما يؤدي إلى تدنٍّ في المهارات والعادات الحياتية.
يمكن للأطفال الذين تربّوا على هذا النمط أن تكون ثقتهم بأنفسهم منخفضة بالإضافة الى إظهارهم سلوكًا عدوانيًا، بحيث تكون مهارات ضبط النفس لديهم ضئيلة وقد تبدو عليهم الأنانية، أو أن يكونوا أصحاب مراسٍ صعبٍ وطبعٍ متهورٍ.
تشير بعض الأبحاث إلى أنّ الأطفال الذين نشؤوا على يد أبوين متساهلين يتمتعون بمهارات إجتماعية إيجابية إلى حد ما، بينما أشارت أبحاثٌ أخرى أن هؤلاء الأطفال لا يتمتعون دائمًا بمهارات اجتماعية متطورة. وعلى سبيل المثال، بيّنت دراسة نُشرت في مجلة "السلوك العدواني" أنّ الأطفال الذين نشؤوا على هذا النمط غالبًا ما يطورون علاقات تتميز بالعدوان الاجتماعي وأن آثار التنشئة القائمة على انضباط منخفض يمكن أن يكون له آثار طويلة المدى على بناء علاقات إيجابية مع الآخرين.
كيف تصبح أباً أقل تساهلا
مرةً أخرى نقول: إنّ الأبوة المتساهلة ليست سلبية تمامًا،
حيث تقول د.داوني: "يتصف الآباء المتساهلون بالمحبة الكبيرة والتناغم عاطفيًا
مع احتياجات أطفالهم". و "في كثير من الأحيان، يذكر الآباء المتساهلون
التواصل الجيد فيما بينهم وبين أطفالهم".
وتقول: "من المحتمل أن يكون لدى الأطفال الذين تربوا على هذا الأسلوب ارتباطًا آمنًا بوالديهم، ويظهرون انضباطاً جيدًا للذات، ولديهم مهارات متقدمة في اتخاذ القرار، ويطورون قدرتهم على التكيف مع تقدمهم في السن".
ومن ضمن الأشياء التي يمكنك القيام بها لإضافة المزيد من الصرامة إلى أسلوبك في التربية ، وضع بعض القواعد في المنزل وعواقب تجاوزها، وتقترح د.كاساريس أنه يمكنك أيضًا اغتنام الفرص لمكافأة طفلك على سلوكه الإيجابي، كما تقترح استخدام عواقب منطقية ، مثل فقدان امتيازات تسعده، كلما أمكن ذلك.
توصي د.مينديز بخطوة أخرى والتي يمكنك اتخاذها وهي
التفكير في دورك في حياة طفلك. تقول: "قدم نفسك عن قصد كسلطة تهتم برعاية
الطفل ورفاهيته". وتقول إنه "يجب على الآباء أن يكونوا قدوة يُحتذى بها
لدعم تعلم الطفل للتعايش والتعامل مع القواعد واللوائح والحدود."
ترجمة: ميماس باسم محمد سليمان
تدقيق ومراجعة: ظلال مصطفى صباغ
المصدر: من هنا