النرجسيّون
كالثقوب السوداء في العلاقات الإنسانيةلماذا ا
يصعب
التّواجد مع شخص نرجسيّ؛ فالنرجسيون يحطون من شأن الأشخاص المحيطين بهم ويمتصّون
طاقتهم حتّى يشعر القريب منهم بأنّه مرهق وخاوٍ من الداخل. وكلّ هذا يعود إلى
قدرتهم، مجازيًّا، على امتصاص الحياة والنور الذي يشعّ من الأشخاص المحيطين بهم
كما يفعل الثقب الأسود.
النرجسي هو بؤرة من البؤس
تعرّفت على صديق في الجامعة كنت ألقبّه "بؤرة البؤس" ولم تكن تلك التّسمية بسبب تعاطفي معه، ولم أسع يومًا إلى نشر هذا اللًقب، ولكن هذا ما كان يخطر في بالي كلّما رأيته في الأرجاء. لقد كان باختصار شخصًا بائسًا ومتذمرًا ومهووسًا بنفسه ، كما كان كثير الشّكوى والسّخط، وفي محاولة منّي لأكون صديقًا جيدًا حاولت كثيرا الانصات إليه حتّى نهاية كلامه وأن أتعاطف معه وأعرض حلولا "لمشاكله" التي لا تنتهي، ولكن كنت غالبا ما أجد نفسي في نهاية المطاف مرهقًا ومستنزفًا وفي حال يرثى لها.
تعاملنا
مع جميع أنواع الشخصيّات في مقتبل العمر ؛ فكان منها المسيء ومنها المحب،
واستغرقنا بعض الوقت الذي امتدّ لأعوام أو حتّى للأبد كي نصبح أكثر فطنةً، ونستطيع التّمييز
بين الأشخاص الذين ينبغي أن نقضي وقتًا أطول معهم ومدى تأثيرهم الذي نقبل به على
مشاعرنا.
فعلى
سبيل المثال، حاول ذلك الشخص، منذ حوالي عام، التّواصل معي
عبر وسائل التّواصل الاجتماعي وأخبرني أنّه يقطن في نفس المنطقة وأنّه يرغب في
مقابلتي، ولكنّني لم أجب على رسائله فأنا لا أريد تلك الطّاقة المنبعثة منه في
حياتي مجدّدًا، فمع تقدمي بالسن أصبحت أكثر حكمةً وأكثر قدرةً على قطع العلاقات
السامّة في حياتي.
النرجسيّون كالثّقوب السّوداء.
تُمثل
الثّقوب السّوداء الظّلام المطلق في الفضاء وتبلغ
جاذبيّتها قوّةً هائلةً، ولا ينجو من قوة جذبها أي مادّة ولا حتّى الضّوء، وتستطيع
جذب الموادّ وامتصاص أيّ شيء يقترب منها كفاية. هل يبدو ذلك مألوفًا لك؟ لنكون
صريحين فالنرجسيّون يمتصّون الطّاقة والنّور والآمال والأحلام، وحتّى النّقود أحيانًا،
ويسعون جاهدين لامتصاص ثقة الأشخاص بأنفسهم وتقدريهم لذواتهم وكلّ هذا يعود إلى
افتقادهم لتلك الصّفات.
لقد ظهرت
العديد من المقالات حول النرجسيّة، ولكن باختصار يمكن وصفهم بأنهم أشخاص غير
ناضجين مقارنًة بعمرهم الزمني، فهم بالغون توقّف نضجهم في مرحلةٍ معينة أثناء الطّفولة.
وإن استطعنا تفسير تصرّفاتهم على هذا النّحو يصبح من السّهل أيضًا فهم احتياجاتهم
وتمركزهم حول ذواتهم وردود أفعالهم؛ فهم أطفال صغار يفرّغون نوبات غضبهم على
الآخرين حين تسير الأمور على غير هواهم.
كما يفتقدون للثّقة بالنّفس وتقدير الذات ويتّصفون بالأنانيّة المفرطة تمامًا كالأطفال الصّغار الذين ينضجون مع الوقت ليصبحوا بالغين أسوياء.
ويشعر
النّرجسيّون في أعماقهم أنّهم لا يرتقون إلى مستوى الآخرين من حولهم، وبالتّالي
يشعرون دائمًا بالخجل من ذواتهم ويتجلّى هذا في تصرّفاتهم المتلاعبة وشعورهم
بالكره والغيرة. وكما يحتاج مدمن المخدّرات إلى جرعة ليشعر بأنّه "طبيعيّ"،
كذلك يقوم النرجسي بإسقاط تصرفاته المثيرة للاشمئزاز وسلوكه المهين على الآخرين وهو
ما يرفض قبوله في ذاته، وبذلك يحصل على بضع جرعات من "القوّة" من خلال امتصاصها
من الآخرين.
لا تتورّط بالعلاقة معهم
أحد
الاختلافات الأساسيّة بين النرجسية والثقب الأسود أنك لو كنت تسير في طريقك وصادفت
ثقبًا أسود، فهنا سنقول لك وداعًا، وتلك ستكون النّهاية المحتومة، فلا يمكن لأي
شيء مهما كان أن يقاوم جاذبيّة الثّقب الأسود، ولكن هذا لا ينطبق على النرجسيّين
ولله الحمد.