كيف تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دوراً في الإصابة بالاكتئاب؟
بقلم نادرا نيتل
تشير بعض التقديرات إلى أن ما يقارب الـ 4 مليون شخصاً حول العالم يستخدمون مواقع التواصل الإجتماعي مثل: فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، مما دفع خبراء الصحة النفسية إلى التّحقق في ما إذا كانت شعبية هذه المواقع تلعب دوراً في الإصابة بالاكتئاب.
ويقول
الخبراء أن الأشخاص الذين يحدون من وقت استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي ينزعون
للشعور بالسعادة أكثر ممن يقضون وقتاً أطول على هذه المواقع. وتشير الدراسات أيضاً
الى أنها يمكن أن تثير مجموعة من المشاعر السلبية للمستخدمين والتي تساهم أو تؤدي
الى تفاقم أعراض الاكتئاب لديهم.
تعريف الاكتئاب
الاكتئاب السريري أو اضطراب الاكتئاب الشديد هو اضطراب مزاجي يشخص من خلال مشاعر مستمرة من الحزن وفقدان الاهتمام بالنشاطات التي كان يستمتع بها الفرد مسبقاً، وقد يكون متوسطاً أو شديداً حيث يجد المصاب بهذه الحالة صعوبة في التركيز ، و النوم، و الأكل، واتِّخاذ القرار واستكمال روتينهم اليومي بشكل طبيعي.
ويمكن
أن يفكر الأشخاص المصابين بالاكتئاب بالانتحار و الموت، والشعور بالقلق، وانعدام
القيمة، أو اصابتهم بمشاكل صحية مثل الاجهاد و آلام الرأس. ومن بعض علاجات الاكتئاب
الأدوية والعلاج النفسي، لذا فإنّالحد من وقت تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي
مفيداً للصحة النفسية.
هل هي مسبب أم ذات علاقة ؟
أظهرت بعض الدراسات حول مواقع التواصل الاجتماعي والصحة النفسية أنه يوجد هناك علاقة بين تصفح هذه المواقع والاكتئاب، وتقدم الباحثون خطوة أخرى ووجدوا أن مواقع التواصل الإجتماعي لها علاقة كبيرة بالإصابة بالاكتئاب. وفي دراسة هامة تم نشرها في مجلة علم النفس الاجتماعي والعلاجي عام 2018 " لا مزيد من الخوف من الفومو (ظاهرة الخوف من تفويت محتوى مواقع التواصل الاجتماعي) : الحد من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يقلل من الوحدة والاكتئاب"
وجدت الدراسة أنه كلما قلّ استخدام مواقع التواصل الاجتماعي قلَّ الشعور بالاكتئاب والوحدة.
وهذا يشير الى العلاقة بين قلة استخدام هذه المواقع والصحة النفسية. ووفقاً للباحثين كانت هذه الدراسة هي المرة الأولى التي استطاعوا بها تحديد صلة بين هذه المواقع والاكتئاب.
وقال المؤلف المشارك للدراسة جوردن يونغ أن "قبل هذا كل ما يمكننا قوله أن هناك عامل مشترك بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ووجود مؤشرات منخفضة في الصحة النفسية"
ولقد خصص الباحثون 143 طالباً من جامعة بنسلفانيا وتقسيمهم إلى فريقين لتحديد الرابط بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والاكتئاب: استخدم الفريق الأول هذه المواقع دون قيود، بينما كان الفريق الثاني ملزماً باستخدام هذه المواقع مدة 30 دقيقة يومياً على فيسبوك، انستغرام، وسناب شات خلال فترة ثلاثة أسابيع.
استخدم كل فريق مشارك أجهزة الآيفون للوصول لهذه المواقع بينما راقب الباحثون بيانات هواتفهم للتأكد من التزامهم بالتعليمات. وقد كان الفريق الملزم بوقت محدد لاستخدام مواقع التواصل أقل عرضة للإصابة الشديدة بالاكتئاب والوحدة مقارنة لما أظهروا في بداية الدراسة.
أظهر
الفريقين انخفاضاً في التوتر والخوف من تفويت ما يحصل على هذه المواقع (فومو)،
وذلك على ما يبدو بسبب مشاركتهم بالدراسة،لأن الانضمام إلى الدراسة جعل حتى
المجموعة التي لديها وصول مفتوح لوسائل التواصل الاجتماعي أكثر إدراكًا لمقدار
الوقت الذي يقضونه عليها.
تقليل استخدام مواقع تواصل اجتماعي، وخوف من التفويت أقل
ليس مؤكداً لماذا عانى المشاركين الذين قضوا 30 دقيقة فقط يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي من الاكتئاب بشكل قليل، ولكن اقترح الباحثون أنه تم إعفاء هؤلاء الشباب من النظر الى بعض المحتويات مثل: أصدقاء يقضون عطلة على الشاطئ، أو خطاب قبول للدراسات العليا، أو صور عائلات والتي من الممكن أن تسبب لهم مشاعر سيئة حول أنفسهم.
يمكن
أن يؤدي التقاط صور وعرض منشورات الأشخاص الذين يبدون أنهم يتمتعون بحياة
"مثالية" الى جعل مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي يعتقدون أنهم لا يرقون
إلى المستوى المطلوب. ووجدت دراسة لجامعة ميزوري لعام 2015 أن المستخدمين
الاعتياديين لفيسبوك هم أأكثر عرضة للاصابة بالاكتئاب إذا شعرو بالحسد مما يرونه
على هذا الموقع.
ويمكن لمواقع التواصل الإجتماعي أن
تمنح المستخدمين حالة فومو (الخوف من تفويت الشيء) ، على سبيل المثال،
إذا تمت دعوتهم لقضاء إجازة على الشاطئ مع
أصدقائهم ولكنهم لم يتمكنوا من الذهاب لسبب ما، أو إذا لم تُقَدم له الدعوة، فقد
يشعر المستخدمون بالأذى النفسي ويتجاهلون رؤية الآخرين في محيطهم الاجتماعي، ويمكن
أن يقودهم ذلك إلى التشكيك في صداقاتهم أو قيمتهم الذاتية.
وفي النهاية، قد يعني تقليل الشخص
لوقت استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي تقليل الوقت الذي يقضيه المرء في مقارنة
نفسه بالآخرين، ويمكن أن يمتد هذا إلى عدم التفكير السيئ حيال النفس وعدم تطور
الأعراض التي تسهم في الإصابة بالاكتئاب.
لماذا الشبان معرضون للخطر
قبل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، كان الأطفال في الغالب يقلقون فقط بشأن التنمر في المدرسة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي أعطت المتنمرين طريقة جديدة لتعذيب ضحاياهم.
بنقرة واحدة فقط ، يمكن للمتنمرين نشر مقطع فيديو للشخص المستهدف وهو يتعرض للسخرية أو الضرب أو الإذلال بأي شكل آخر، ويمكن للأشخاص حشد صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بأقرانهم، وترك تعليقات سلبية أو نشر معلومات مضللة، وفي بعض الحالات، قد ينتحر ضحايا التنمر.
في حين أن العديد من المدارس لديها سياسات وقواعد لمكافحة التنمر بشأن
سلوك الطلاب عبر الإنترنت، إلا أنه لا يزال من الصعب على المعلمين وأولياء الأمور
مراقبة السلوك المسيء على هذه المواقع.
ومما يزيد الأمور سوءًا أنّ ضحايا المتنمرين غالبًا ما يخشون أن يزداد التنمر إذا تحدثوا إلى أحد الوالدين أو المعلم أوالمسؤول عمّا يتعرضون له، وهذا يمكن أن يجعل الطفل يشعر بالعزلة ويكمل يومه دون الدعم العاطفي الذي يحتاجه للتعامل مع موقف سام ومتقلب.
الأخبار السيئة و"التصفح السلبي"
واحد من كل خمسة أمريكيين يحصل الآن على أخباره من وسائل التواصل الاجتماعي - نسبة أكبر من أولئك الذين يحصلون على أخبارهم من وسائل الإعلام المطبوعة التقليدية.
وبالنسبة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، الأشخاص الذين
يقومون بتسجيل الدخول لعدة ساعات في وقت واحد أو عدة مرات في اليوم ، فهذا يعني التعرض
المتكرر للأخبار، بما في ذلك الأخبار السيئة، وغالباً ما تتصدر العناوين الرئيسية
المتعلقة بالكوارث الطبيعية والهجمات الإرهابية والصراعات السياسية ووفيات
المشاهير الصفحات الأولى لهذه المواقع.
قبل ظهور مواقع
التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام، كان تعرض المرء للأخبار السيئة محدودًا، كان
يحصل الجمهور على الأخبارمن الصحف أو من البرامج الإذاعية التي يتم بثها في أوقات
معينة من اليوم.
تُعرف عادة بث الأخبار السيئة على مواقع التواصل الاجتماعي أو في أي مكان آخر عبر الإنترنت باسم "التصفح السلبي"، والتي يمكن أن تؤثر سلبًا على الصحة النفسية للفرد، مما يؤدي إلى تطور أو زيادة القلق أو أعراض الاكتئاب.
وجدت دراسة لانسيت للطب النفسي التي أجريت عام 2018 على 91,005 شخصًا أن أولئك الذين يقوموا بتصفح الفيسبوك قبل النوم هم أكثر عرضة للإصابة باضطراب اكتئابي كبير بنسبة 6٪ وصنفوا مستوى سعادتهم بنسبة 9٪ وهي أقل من أولئك الذين يتمتعون بـ روتين نوم أفضل.
ترجمة: ميماس باسم محمد سليمان
تدقيق ومراجعة: أ.ظلال مصطفى صباغ
المصدر: من هنا