الطّعام والمزاج: كيف يؤثِّر طعامك على صحتك العقليّة
أربعة أنواع من الأطعمة لتحسين المزاج
بقلم
أمامندا كابريتو
أتشعر
بالكآبة؟ بما أنّ تناول وجبة سكريّة عادة غيرمضرة نوعاً ما لتحسين مزاجك، فهل فكّرت
كيف تؤثّر هذه الوجبة عليك انفعاليًا بعد زوال لذتها السريع.
ليس من
الخطأ أن نلجأ للطّعام لأجل رفع معنويّاتنا، لكنك قد تزيد الأمور سوءاً عن غير قصد رغم
ما حققته بدايةً من تحسّن في مزاجك.
على الرغم
أنه من الصّعب تحديد الأسباب الرئيسية وراء انخفاض المزاج أو تقلّباته (تلعب
العديد من العوامل دوراً في ذلك، مثل التوتّر، النّوم، العمل، العلاقات، النشاط
البدنيّ، والبيئة)، هناك العديد من الدراسات الحديثة التي تشير إلى وجود علاقات
تثير الدّهشة بين النظام الغذائي والمزاج.
فهم علم النّفس الغذائيّ
تعدّ
العلاقة بين الطّعام والمزاج معقّدة وغامضة ممّا أوجد مجالاً مخصّصاً لدراستها.
ما زال علم
النّفس الغذائيّ وهو العلم الذي يدرس تأثير الطّعام على الصحّة العقليّة في مراحله
الأولية. إلا أنّ العلماء والأطباء وأخصائيّي الصحة العقلية في هذا المجال الجديد
قد وصلوا إلى نتائج مبهرة، على سبيل المثال:
·
توصّلت مراجعة في عام 2020 لـ 61 دراسةً إلى أنّ الأشخاص
الذين يتناولون مزيداً من الفواكه والخضراوات يمكنهم تحسين صحتهم العقلية وحالتهم
العاطفية.
·
تشير مراجعة عام 2015 أنّ الأطعمة المعالَجة قد ترتبط
بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.
·
توصّلت دراسة في عام 2019 إلى أن هناك أطعمة محدّدة لاسيما
الأغذية الغنيّة بمضادات الأكسدة وغيرها من العناصر الغذائية، يمكن اللّجوء إليها
كعلاج إضافيّ لحالات الاكتئاب. واقترحت الدراسة أن الأوميغا 3 ساهمت في تحسين
الأعراض لدى مرضى الاكتئاب. على الرغم أن نتائج البحث غير مؤكّدة فقد تبيّن أن
تناول كميات كافية من حمض الفوليك وفيتامين ب 12 تسهم في الوقاية من الاكتئاب. كما
يلعب فيتامين د دوراً مهماً في تنظيم مستويات الكالسيوم والسيروتونين في الجسم. ويرتبط
عوز فيتامين د بزيادة بنسبة 8-14% في حدوث الاكتئاب وزيادة تبلغ 50% في معدلات
الانتحار.
·
في دراسةٍ أخرى عام 2015 أشارت أنّ زيادة تناول الأطعمة
الفقيرة بالعناصر المغذيّة عوضاً عن الغنية بالمغذيات (مثل تناول قطعة من حلوى
الفواكه المجففة عوضاً عن الفواكه والخضار الطازجة)، قد تحرم الدماغ من حصوله على
مغذيّاته الضروريّة ليصبح الشخص سريع الانفعال.
هل يساهم الطّعام في الأمراض النفسيّة؟
منذ عشر
سنوات كان من الممكن أن يشير إليك الناس بكونك سخيفاً لاعتقادك أن الطّعام قد يؤثر
على صحتك النفسية والعاطفية. لكن الآن تدعم العديد من البراهين العلميّة هذا
الادّعاء.
إذ تشير
الدراسات إلى وجود علاقات بين أنواع محدّدة من الطّعام والأمراض النفسية واضطرابات
المزاج بما فيها القلق والاكتئاب.
لكن ما زال
هناك حاجة للمزيد من البراهين لتأكيد تأثير الطّعام على مزاجنا (ويجب أن يبقى في
ذهننا أن كلّ شخص يستجيب إلى أنواع الطّعام بشكل مختلف). لكن من الأفضل أن نمعن
النظر في اختيارات طعامنا وتقلبات مزاجنا لاحقاً لفهم العادات والنماذج التي
يسلكها كل فرد منّا.
فكّر كيف لأطعمة معينة أن
تؤثر عليك
إنّ الأسلوب العلميّ هو أفضل أداة لدينا لحل المسائل والإجابة على الأسئلة الإنسانيّة المعقّدة. إذ تزوّدنا التجارب السريريّة الكبيرة عالية الجودة بمعلومات لا تقدّر بثمن حول صحّة الإنسان وجميع تفاصيلها الدّقيقة. وعلى الرّغم من أنّ الأدلّة الشخصيّة ليست أدلة علميّة، إلا أن الأدلّة الشخصية المتعلّقة بملاحظاتك الخاصّة حول صحّتك الشخصيّة قد تكون كافية لاتِّخاذ قرار يفيدك.
فعلى سبيل المثال، إذا كنت تعلم أنّ تناول الأطعمة الغنيّة بالسكّر يجعلُك تشعر بالكسل وعدم التّركيز، فهذا دليل كافٍ على ضروروةتجنّب الأطعمة السكرية في الأوقات التي تحتاج فيها إلى طاقة وإنتاجيّة عاليتين. وقد يكون العكس صحيحاً إذا كان نظامك الغذائيّ مقيداً جداً إلى درجة التجويع ، فقد تصبح عصبيّاً.
إذا كنت
تعلم أنّ شرب الكحول يجعلك عصبياً في اليوم التالي، فهذا يكفي لاتخاذ قراراتٍ مدروسةٍ
بعناية حول تناولك المشروبات الكحوليّة.
الأطعمة التي تحسّن مزاجك
لنطّلع الآن
على بعض المعلومات المفيدة: يمكنك التّأثير بشكلٍ إيجابيّ على مزاجِك عن طريق
تناول الأطعمة الغنيّة بالعناصر الغذائيّة المرتبطة بتحسين الصحة النفسيّة. حيث يبدو
أنّ الأطعمة الغنيّة بالألياف والبروتين ومضادات الأكسدة والبريبايوتيك والأحماض
الدهنية الأساسية لها أثير بالغ على المزاج.
الحبوب الكاملة والأطعمة الغنيّة بالألياف
يمكن للحبوب
الكاملة وغيرها من الأطعمة الغنية بالألياف تحسين مزاجك بفضل تأثيرها المُشبع وحفاظها
على مستويات سكر الدم.
تساعد
الألياف على إبطاء هضم الكربوهيدرات، ممّا يساعدك على الحصول على أقصى استفادة من
وجباتك وتجنّب حدوث ارتفاع وانخفاض في سكر الدم.
والعديد من
الأطعمة الغنيّة بالألياف تحتوي على عناصر غذائيّةٍ أساسيّة، مثل فيتامينات ب،
التي تفيد الأشخاص الذين يعانون من التوتّر وفقاً لمراجعة لعام 2019 .
وفيما يلي
عدّة أطعمة كاملة الحبوب وغنيّة بالألياف يمكن أن تدعم صحّتك العاطفية:
• الشّوفان
• بذور الكينوا
• خبز الحبوب
الكاملة
• الأرزّ
البني
• عشبة القُطيفة
• الشّعير
• الفاصوليا
والبقوليّات
• الخضروات
النشويّة (مثل البطاطا الحلوة والقرع واليقطين والبازلاء)
• الفواكه
النشويّة (مثل التّفاح والموز والشمّام)
الأطعمة الغنيّة بمضادّات الأكسدة
تمتلك مضادّات
الأكسدة العديد من الوظائف الهامّة للجسم، لكن الأهمّ منها هو حماية الخلايا من
الجذور الحرّة، وهي نوع من الجزيئات غير المستقرّة والمدمرّة والتي تسبب السّرطان
وغيرها من الأمراض.
وقد ربطت
الدراسات بين قلّة تناول العناصر المضادّة للأكسدة والاكتئاب، ويعتقد العلماء أن مضادات
الأكسدة تلعب دوراً هاماً في حماية الأعصاب والحفاظ على استقرار المزاج.
جرّب إضافة
بعض هذه الأطعمة إلى نظامك الغذائي لتحسين مزاجك:
• التّوت
• الخضروات
الورقيّة الدّاكنة (مثل السّبانخ والجرجير والكرنب وأوراق الهندباء وأوراق اللّفت
وأوراق الشّمندر والبقدونس)
• خضروات
أخرى (مثل الشمندر والهليون والفجل واللفت والقرع والخرشوف والفلفل)
• القهوة
•
الشوكولاتة الداكنة
• التوابل
الأطعمة المخمّرة
تحتوي
الأطعمة المخمّرة على مقدار كبير من البروبيوتيك، التي تدعم صحة الجهاز الهضمي. وتشير
الأبحاث إلى أنّ صحة الأمعاء تؤثر بشكل كبير على الصحة العامة، بما في ذلك المزاج.
كما يؤثر إضافة المزيد من البروبيوتيك إلى نظامك الغذائيّ مباشرةً في رفع مستويات
السّيروتونين، وهو ناقل عصبي مهم ينظّم المزاج. ومن المدهش أنّ معظم السيروتونين في جسمك يتم إنتاجه
في الأمعاء.
من الأمثلة
على الأطعمة المخمّرة:
• مخلل الكرنب
• الكيمتشي
• الزّبادي
• حليب الكفير
• شاي الكومبوتشا
• التمبيه
• صلصة الميسو
• الناتو
الأطعمة
والمشروبات المخمّرة الأخرى، بما في ذلك الخبز والبيرة، لا تحتوي على البروبيوتيك
الحيّ بسبب عمليات التصفية والطهي.
الأطعمة الغنيّة بالأحماض الدهنية الأساسيّة
الأحماض
الدهنية الأساسية، بما في ذلك أوميغا-3 وأوميغا-6، هي دهون هامة يجب الحصول عليها
من خلال الطّعام، لأن الجسم لا يمكنه إنتاجها بنفسه.
وقد ربطت الدّراسات بين تناول أوميغا-3 وتقليل خطر الاكتئاب، وتخفيف أعراض الاكتئاب. بالإضافة إلى تأثيرها الإيجابيّ على القلق.
من الأطعمة
الغنيّة بالأحماض الدهنية الأساسية:
• الأسماك
الدّهنية: السّلمون، والسّردين، والقد،ّ والحريد، والماكريل، وسمك القزل
الأبيض، والتّونة، والقشريّات.
• المكسّرات
والبذور: الجوز، وبذور الكتّان، والفول السودانيّ، وبذور اليقطين، والبندق.
•
بعض الزيوت: زيت بذور
الكتّان وزيت الكانولا وزيت العُصفر وزيت الزيتون.
•
غيرها: الأفوكادو
والزيتون والبيض المدعم بأوميغا-3
الأطعمة التي قد تعكِّر المزاج
كما وضحنا
سابقاً يمكن للعديد من الأطعمة تحسين المزاج والحالة العاطفيّة. وفي المقابل، يمكن
لكثير من الأطعمة الأخرى أن تؤثر سلباً على الصّحة النفسيّة والمزاج تحديد. وفيما
يلي بعض الأطعمة المرتبطة بالمزاج المنخفض واضطرابات المزاج.
الأطعمة السكرية
يُعتقد أن
السّكر، ومذاقه الحلو ، يساهم في زيادة القلق والاكتئاب. إلا أنّ تناول كمّيات
كبيرة من السّكر، خاصة من الأطعمة المصنّعة مثل السكّاكر والحلويات، يزيد من خطر
الإصابة باضطرابات المزاج. كما أنّ الكربوهيدرات المكرّرة ترتبط بالاكتئاب.
الأطعمة عالية الدّسم
أثبتت
الأبحاث وجود رابط بين تناول الدهون المتحوّلة والاكتئاب. وتشير أبحاث أخرى إلى
ارتباط تناول الدّهون المشبعة والسّكر المكرّر مع الإصابة بالتهاب الدماغ.
تنظر هذه الدراسات إلى الدهون غير الصحيّة، بما في ذلك الدهون المتحوّلة والدهون المشبَعة الموجودة في الأطعمة المقليّة والوجبات السريعة. في حين أنّ الدهون الصحيّة الموجودة في الأطعمة مثل الأفوكادو والزيتون ترتبط بتقليل أعراض الاكتئاب، كما ذكرنا آنفاً.
الكحول
بغضّ النّظر
عن عدد المقالات التي تدّعي أن النبيذ الأحمر هو من المشروبات فائقة الجودة، فإنّ
الكحول (خاصّةً عند الإفراط في تناوله) يعدّ ضاراً للجسم.
ربما لا تحتاج إلى أبحاثٍ تثبت لك أنّ الكحول يجعلك
تشعر بتعكُّر المزاج (خلال أو بعد الشّرب).
فإدمان
الكحول يرتبط بشدّة باضطرابات المزاج مثل القلق والاكتئاب، والكحول نفسه يثبّط من
حالتك النفسيّة (على الرّغم من شعور الانتشاء الأولّي الذي تحسّ به).
بالإضافة
إلى أنّ، يدفعك شرب الكحول يدفعك إلى تناول الأطعمة الغنيّة بالسكر والدهون بسبب تراجع
حالتك المزاجية .
اكتشف ما يناسبك
على الرّغم
من الرّوابط الواضحة بين بعض الأطعمة والمزاج، فمن المهم أن تتذكّر أنّ كلّ شخصٍ
يستجيب للأطعمة بشكلٍ مختلفٍ، حتّى بين أفراد العائلة نفسها. ولتحسين صحتك النفسية،
حدّد الأطعمة التي لا تناسبك من الناحية الجسدية و النفسية.
ربما يمكن
لزوجك أن يتناول الآيس كريم كل ليلة بدون مشاكل، ولكنكِ تشعرين بالكسل إذا تناولته
كثيرًا خلال الأسبوع.
ربما تشعر
بالراحة عندما تتناول الحبوب كوجبةٍ خفيفةٍ بعد الظّهر، ولكن زميلك في العمل يحتاج
إلى شيءٍ يحتوي على المزيد من البروتين ليحافظ على معنويّاته في فترة ما بعد الظهيرة.
تعكس هذه
السّيناريوهات المفترَضة السّبب إلى ضرورة معرفة كل شخص ما يناسبه دون النّظر إلى
حال غيره. وإذا لم تتمّكن من التأكد من الأطعمة التي تؤثّر سلباً على مزاجك، قم
بتدوين الطّعام الذي تناولته لعدة أسابيع. ثم اكتب حالتك المزاجية قبل تناول الطّعام
وً بعده تماماً، بالإضافة إلى بعد عدة ساعات من تناول الطّعام.
من المفترض
بعد عدّة أسابيع أن تصبح لديك فكرة جيدة عن أنواع الأطعمة التي تجعلك تشعر بحالٍ
أفضل وترفع مستويات الطاقة والإنتاجية والتركيز والسعادة.
المكمّلات الغذائيّة مقابل الأطعمة
يتّفق معظم
خبراء الصّحّة على أنّه من الأفضل الحصول على معظم العناصر الغذائيّة الهامّة من
الأطعمة اليوميّة بدلاً من الأقراص والمساحيق والكبسولات.
إذ يتمتّع
الغذاء الحقيقيّ بتوافرٍ حيويّ أفضل (أي أنّ الجسم يمتص العناصر الغذائية بشكل
أفضل)، وهو أيضاً أقل تكلفة، كما أنك تعلم بالتّحديد ما الذي يدخل جسمك.
ناهيك عن أن
صناعة المكمّلات الغذائيّة قد تكون مشبوهة، وغالباً ما يكون من الصَعب التّمييز
بين المنتجات الجيدة والمنتجات السيئة، لذلك يجب أن تكون حذراً في اختيار المكملات
الغذائية والالتزام بتوصيات الأطباء.
ترجمة: د. نور علي عثمان
تدقيق: أ.ظلال مصطفى صباغ
المصدر: من هنا