النوم
نعلم جيداً ما يحدث خلال النّوم، إذ إنّ جسدنا يكون ساكناً غير نشطٍ، ونفقد الشّعور، ولا نستجيب للأشياء التي تحدث حولنا.
كما نعلم كثيراً مما يحدث داخل أجسامنا خلال النوم. فنعرف كيف تسترخي العضلات، وكيف تستمر نشاطاتٍ حيويّة معيّنة في العمل، وماذا يحدث لجهاز الدوران، ودرجة حرارتنا، وهلمّ جرّاً.
ولكن كيف ننام؟ وما الذي يحدث فعلاً فيجعلنا نستغرق في النّوم؟ من الغريب أن هناك نظرياتٍ كثيرة عن هذا الموضوع، ومن غير الممكن إثبات صحّة هذه النظريات حتى الآن.
فعلى سبيل المثال، كان هناك اعتقادٌ شائعٌ سادَ لفترةٍ من الزّمن، بأننا ننام عندما ينتقل الدم في جسمنا من وإلى أيّ عضوٍ هامٍّ فيه. ومن الجيد أن هذه النظرية - على الأقل - لم تعد تعتبر صحيحة إذ بتنا نعلم الآن أنه لا يحدث مثل هذا الانتقال للدم.
وثمّة نظرية أخرى لم يعد يؤخذ بها والتي تشير إلى أنّ سلسلة الخلايا العصبيّة في جسمنا، والتي تمثل المجرى في الجهاز العصبي، تنسد بشكلٍ كامل، فنغفو عندئذٍ.
وهناك نظريّة محتملة أخرى تقول إن النبضات التي تصل إلى الدماغ تتوقف بتأثيرٍ من أجسامنا، ونتيجةً لذلك لم نعد في "حالة يقظة". ثمّة أيضاً نظريات أخرى عن الاستغراق في النوم تزعم أنّ النوم غريزةً إيجابية. أي أنها ليست مجرد انتهاء لفترة اليقظة، بل تُعد عمليةً إيجابية يقوم بها الجسم بشكل غريزي فيغفو.
هناك مجموعة نظريات كيميائية تحاول تفسير موضوع النوم أيضاً. فتفترض بأنّ بعض المواد التي يحتاج إليها جسمنا لكي يبقى مستيقظاً تُستنفد، وهذا ما يجعلنا نخلد إلى النوم، حيث يزودنا النوم من جديد بهذه المادة، أو لأن هناك مواد سامة معينة تتراكم عندما نكون مستيقظين وهي التي تؤدي إلى الشعور بالتعب وبالتالي الخلود إلى النوم.
ولا يزال هناك سرٌ يكتنف إحدى أكثر الأمور
الشائعة والهامة التي نقوم بها. إذ يبدو الأمر وكأنّ جسدنا يعرف أننا بحاجةٍ إلى
النوم لكي تستريح الأعضاء والأنسجة المُتعبة وبطريقة ما فإنّه يَتدبّر أمر نومنا
هذا.
ففي كلّ ليلةٍ نغلق أعيننا ونمضي إلى عالمٍ آخر -عالم النوم. وعندما نستيقظ نكون وكأننا قد عدنا من رحلة، إلاّ أننا لا نعرف ما الذي قد حدث لنا حقاًّ.
ربما نعرف بأننا كنا نحلم، أو بأننا كنا نشعر بالبرد أو الحرّ. ولكن ماذا فعلنا غير ذلك؟ ماذا كان يحدث لأجسادنا بينما نحن غارقون في النوم؟
بالطبع ثمة أمرٌ هامٌ حدث وهو أنّ عضلات جسمنا قد استرخت. ولو حدث أنّ حاول أحدهم رفع ذراعنا بلطف بينما نحن نائمون، لوجدها ضعيفةً منهكة تماماً، ولوجد أنها لا تقاوم هذا الفعل حتى. إنّ أحد الأسباب التي تجعلنا نتخذ وضعاً أفقياًّ أثناء النوم هو السماح للعضلات بالاسترخاء والاستراحة. ولكن ثمة مجموعة من العضلات التي لا تستريح خلال النوم، وهي العضلات التي تحيط بالعينين والجفنين. فهذه العضلات تتقلّص وتنكمش لكي تبقى أعيننا مغمضةً.
تتحرك أجسامنا كثيراً أثناء النوم. فقد نحرك جزءاً منها أو نقلبها بشكلٍ كاملٍ لكي نغير وضعية النوم. يختلف الناس في مدى حركتهم خلال النوم، ويعتمد ذلك على مدى التعب الذي يشعرون به، وعلى درجة الحرارة، وعلى نوع الطعام الذي قد تناولوه قبل النوم، وهلمّ جرّا. حيث يتحرك الشخص الطبيعي حوالي (20 – 40) مرّةً في كل ليلة، ولكننا نتحرك فقط لمدة 30 ثانية لكل ساعة، أو بمعدل بضع دقائق خلال الليل بأكمله.
عندما نكون مستيقظين يكون لكلٍّ منّا ردّة فعلٍ مختلفةٍ على الأحداث الخارجيّة. ولكن عندما ننام فإننا جميعاً نقوم بردّة الفعل نفسها تجاه المنبهات. إذ يستجيب جميع النائمون عملياً إلى الضجيج والضوء والحرارة والروائح بردود الأفعال نفسها .
ما الذي يحدث داخل أجسامنا خلال النوم؟
بالطبعيستمرّ الدم بالدوران، ولكن يتباطأ نبض القلب، ونتنفّس ببطءٍ أكبر، وليس
بعمق كما هو الحال عندما نكون مستيقظين، و تبقى عملية الهضم نشطةً وبالمعدّل
العاديِّ نفسه. كما يتابع الكبد والكليتان عملهما، ولكن مع تضاؤلٍ خفيف في المعدّل.
إذ تنخفض درجة حرارة الجسم بمقدار درجةٍ واحدة. وقد يزداد التعرّق عموماً، ولكنه
يكون أقلّ من حالة اليقظة في منطقة راحة اليد وباطن القدم.
ترجمة: أ.إبراهيم عموش
تدقيق: أ.مادلين مأمون