الأثر الدائم لكلمات والديك التي لم تُقال
الأثر الدائم لكلمات والديك التي لم تُقال
ما يقوله والداك له نفس قوة تأثير كلماتهم غير المنطوقة.
بقلم چونيس ويب
جلست كارولين في مكتبي للعلاج النفسي بعينين دامعتين وغاضبة إذ صرخت: " أتمنى لو لم يكن أبي أحمقًا. في كل مرة يراني فيها يقول لي شيئًا مؤلمًا للغاية. أريد كل هذا أن ينتهي." فمازلنا نتعامل مع مثال آخر من حالة كارولين وتعليق والدها اللاذع حول مظهرها.
وقفت هنيّةً أعي آلام كارولين وأدركتُ توقها واحتياجها الشديد لشيء لم يتمكن والدها من إعطائها إياه؛ فسألتها برفق: " ماذا كنتي تتمني أن تسمعي من والدك بدلاً من ذلك؟"
فأجابت: " إنه يَحُّبني، وأنّني أكفيه، وأنه فخور بي."
تحديد ما لم يحدث
لاحظتُ أثناء عملي في الطب النفسي لأكثر من 20 عامًا أنّ البشر يركزون على تحديد الأفعال والكلمات التي صدرت من آبائهم في الماضي. فعلى سبيل المثال بعض الحالات قالت:
كانت حياتي ستكون أفضل لو لم يضربني والدي أبدًا.
قالت لي والدتيإأنني لن أحظى بشريك إذا لم أمارس التمارين الرياضية.
قال لي والداي أنهما أحباني بضع مرات فقط في حياتي.
من السهل تذكر الأحداث التي مررنا بها خلال مسيرة الحياة، إذ يمكننا تحديد ذكرى معينة – من قال هذا، وأين كنا عندما حدث ذلك، وكيف كان شعورنا تجاهه، وهكذا. وعندما يضرب أحد الوالدين طفله، فهذا حدث واضح، شيء ما قد حدث، ولكن ماذا عن الأشياء التي لم تحدث؟ وذلك حين يتجاهل أحد الوالدين طفله تمامًا أو على الأقل لم يعيره القدر الكافي من الاهتمام.
في حين أنّ الأشياء التي حدثت لنا من المهم معالجتها، إلا أنّ الأشياء التي لم تحدث قلّما يتم تحديدها، وبالتالي نادراً ما تتم معالجتها. على سبيل المثال، الإساءة هي شيء مؤذٍ للطفل وكذلك الإهمال، ولكن تختلف الطريقة.
قد يشعر الطفل المعتدى عليه بالأذي الجسدي، والعاطفي، واللفظي بينما يشعر الطفل المُهمل بأنه وحيد، ومَعيب وعديم الجدوى .
من أجل إعادة التركيز على الأشياء التي لم تحدث، هناك بعض ردود الحالات مثل كارولين عندما سألتهم: ماذا كنتِ تتمني أن تسمعي من والديك؟
مشاعرك مهمة وتستحق الاستماع إليها.
أنا اؤمن بك.
كيف تشعر؟ ماذا تحتاج؟
أنا هنا من أجلك إذا كنت ترغب في التحدث عن ذلك.
أنا أسف جدًا.
أنت جميلة من الداخل ومن الخارج.
أعرف من تكون، وأحبكِ كما أنت.
تبدو مستاءً. ما الخطب؟
ليس عليك أن تسعى إلى الكمال فكلنا خطائون، فمن الوارد أن ترتكب بعض الأخطاء.
أنا هنا بجانبك عندما تكون خائفًا.
لا بأس أن تكون غاضبًا. لا بأس أنّ تكون حزينًا.
أنا أحبك مهما حدث.
أنا فخور بك.
يمكنك أن تفعل ما يخطر في بالك فأنا أدعمك.
لقد تلقيتُ ردودًا أخرى مثل:
أتمنى أنٍ يقولوا أي شيء على الإطلاق؛ فنحن لم نتحدث في عائلتنا قطُّ.
أتمنى لو كانوا يقصدون الأشياء التي قالوها لي؛ إذ لم تتطابق أقوالهم مع أفعالهم قطُّ.
أتمنى لو أنّ كلماتهم جعلتني أشعر أنني شخص محبوب بدلًا من مشاعر البغض.
الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة
الاهمال العاطفي هو ما "لم يتأتّى لك" عاطفياً في فترة الطفولة. ويكون إذا لم يتلق الطفل القدر الكافي من الإهتمام العاطفي، أو الإقرار، أو التأييد، أو الاستجابة من والديهم في حياتهم اليومية. ونادرًا ما يتم تحديد هذا السبب؛ لأنه غير مرئي ويمكن نسيانه.
وهذا يُشكل خطرًا كبيرًا على عدد لا يحصى من البشر. فحالة الاهمال العاطفي في الطفولة تكتسب بطبيعتها سطوة غير غير مقبولة؛ فكثير من البالغين لم يتلقوا استجابات عاطفية يُراعى فيها حالتهم مثلما تمنى البعض أعلاه.
والعديد من الآخرين لا يدركون الأثر الهائل للانفصال عن عالم العواطف لفترة طويلة.
أعلم أنّ من غير الواقعي تغيير الألم والصراع جراء الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة إذا لم تغيّر الماضي أو والديك، ولكن ماذا لو بإمكانك أن تمنح نفسك ما حُرمت منه من اهتمام، وتصديق، وتفهُّم؟ أعلم أنّ هذا ممكنً عن تجربة، وتشهد الجدران الأربعة لمكتب الاستشارة الخاص بي على عدد لا يحصى من الأشخاص الذين يخطون خطوات واسعة للتعافي من الاهمال العاطفي في مرحلة الطفولة.
أريدك أنّ تحاول ثانية وتُجيب على هذا السؤال بنفسك: ماذا كنت تتمنى أنّ تسمع من والديك؟
بمجرد أنْ تجيب على هذا السؤال، أعلم أنك تحمل مفتاح تلبية احتياجاتك التي
لم يوفرها لك والداك.
كيف تمنح نفسك ما لم يقدمه والداك
1. استمع لمشاعرك. إذا نشأت مع الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة فمن المحتمل أن تفقد مشاعرك. لذا امنح نفسك مكافأة لفهم لمشاعرك، وتحديدها، وتقبلها، والتعبير عنها.
2. اعترف بقيمتك. إذا شعرت أنك بلا قيمة أو غير محبوب كما شعرتُ منذ نشأتك، فمن الضروري أن تعمل على اكتشاف إحساسك بالقيمة. تحدَّ نفسك حينما تصبح قاسيًا على نفسك، وتعلم أن تكون عطوفًا معها.
3. تكلّم مع الآخرين بحرية. الحديث عن الأشياء بعمق هو منطقة مجهولة في أسرة مهملة عاطفياً. ضع نفسك في مواقف تكون منفتحًا وتعامل مع أشخاص تعتبرهم جديرين بالثقة.
4. تحقّق مع نفسك. من السهل أنتنخرط في الأنماط الماضية لتهميش مشاعرك ومعاملتها على أنها غير مهمة. قم بعكس ذلك من خلال سؤال نفسك كيف تشعر، وما إذا كان هناك أمرٌ عليك أن تفعله لتحسين الوضع.
وبما أنّ والديك كانا غير واعيين عاطفيًا، لا يعني أن بالضرورة أن تكون مثلهما. يمكنك معرفةالمزيد عن نفسك شيئًا فشيئًا وتطوير إحساسك بالوعي الذاتي.
ترجمة: شيرين مدحت
تدقيق ومراجعة: أ.ظلال مصطفى صباغ
المصدر: من هنا