الجمال الحقيقي
بقلم نيكولا برنتيس
شاهدت ستيف صور يوغا أخَّاذة بينما كانت تقلِّب بين إشعارات
الانستغرام، إضافة إلى حزمة من صور وجبات غداء العطلة الأسبوعية، مع أرغفة خبر
طازجة إلى جانب أكواب القهوة تزيِّنها قلوب تطفو على الحليب.
*****
وفي جهة أخرى من شبكة
الانترنت كان مات يفعل الأمر ذاته، فقد كانت الإشعارات مكتظّة بلقطات سلفي في
نوادي الرياضة ومهرجان بيتشلايف.
*****
التقطت ستيف صورة لوجبة
إفطارها المرتّبة بعناية مع بعض الأزهار. كانت قهوتها ووجبة البيض قد أصبحتا باردتان،
غير أنّ الطّبق بدا شهيًّا؛ فقد اشترته في الصباح من أحد متاجر الفن باهظة الأسعار.
أمّا الأزهار فقد "استعارتها" من حديقة جارتها. لم يلحظ أحد ذلك، كما
أنّها فكرت أنّ الأزهار يتمتع بها الجميع، أليست كذلك؟ فربّما أنّ عشرة أشخاص ليس
إلا، يمرون في اليوم بجوار حديقة السيدة روبنسون القديمة. ناهيك عن أنّ نشر الصور
على موقع انستغرام يجعلها تحظى باستحسان عدد أكبر بكثير من الناس.
أجرت ستيف تعديلات على ألوان
صورتها ليبدوَ عصير البرتقال أكثر إشراقًا ولتجعل الزهور أزهى حُلّة.
وأثناء تعديلها لتصفية الصور
على انستغرام، وقعت عيناها على تطبيق "تروبيوتي" (الجمال الحقيقي). تذكَّرت
أنّها أجرت تثبيته البارحة لكنها نسيت أمره.
كانت صورتها قد بدت بكامل الإتقان
بعد ذلك التعديل؛ لذا نشرتها لتكون موضع حسد خمسة عشر ألف شخص من متابعيها. وما
كان منها إلا أن رمت الطّعام الذي في طبقها في سلة القمامة، فلم يعد هناك أي جدوى
من تناوله فقد أصبح باردًا!
*****
كان مات على وشك أن يفقد الأمل،
فقد عمل في الخارج لمدة ساعة وشرب كمية قليلة من الماء قبل ليلة لتبدو بشرته مشدودة
ويبرز عضلاته بشكل أفضل. بيد أنّه لم يتمكن من تحسين الصور.
ومثلما أنّ سُمرته الزائفة لم
تجدِ نفعًا، كذلك الأمر بالنسبة إلى رشِّ نفسه بزيت الطبخ. فلا فائدة من المظهر
الائق إذا لم تتمكن من إعداد صورة مناسبة لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي!
بدأ بتقليب الإشعارات مرة
أخرى والبحث عن شيء ملهِم وخوض تجربة المنافسة. وهنا رأى مصادفةً تطبيق
"تروبيوتي".
صورٌ مدهشة مثلك، شاهد حقيقتك
الواقعية مع تروبيوتي، إنّه متوفر على متجر التطبيقات بالمجّان فالجمال الحقيقي
مجّاني.
هذا ما كان يطلبه، حمّل
التطبيق وحصل على صورة شخصية مثالية في غضون دقائق.
فقد بدا قوامُه في الصور تشوبه
سُمرة وعلى وجه الكمال، لذا نشر الصورة ليشاهدها اثنان وسبعون متابعًا، وتوجّه إلى
الدُّش ليغسل زيت الطبخ. لقد تذّكر أنّه قرأ ذات مرّة عن الدّهون الموجودة في
المجارير؛ فقد عاش في مدينة مكتظّة بملايين السكان الذين اعتادوا أن يغسلوا أواني
القلي من الزيوت فتفضي إلى الأحواض. وقد سدت الزيوت المجارير فتحولت إلى أوساخ
مقيتة؛ ممّا دفع بعض العمال المساكين لإزالتها. أو هل انتهى بها الأمر إلى
المحيطات فقتلت الدلافين؟ لم يتذكر تمامًا، لكن مهما يكن الأمر فهو مشكلة شخص آخر.
*****
لم تتوقع ستيف ومات أن يحظيا بعدد قليل جدًا من
الإعجابات، كما أنّهما لم يستعدا لاستقبال التعليقات السلبية التي وصلتهم.
ذكّرني ألا أتناول وجبة فطور في منزلك! 🙁 سوسي كيو
جيمغاي21 اووو، مقرف!
تلك كانت التعليقات المهذّبة إلى حدٍ ما، أمّا البقية فقد كانت أكثر ازدراءً.
نظر كلا المؤثران الاجتماعيان مرة أخرى إلى الصور
التي نشراها، ظهر البيض في صورة ستيف باللون الأخضر وبعض الذباب يحوم حوله، أمّا الأزهار فقد ماتت
والقهوة كان على سطحها طبقة فضيّة تقشعِّر لها الأبدان. وبالنسبة إلى صورة مات فقد
بدا جسده في الصورة مغطّىً بطبقة تشبه الزبد الفاسد على شعره ويخرج من أنفه. وما
زاد الطين بلَّة أظفاره الملطخّة؛ فقد بدا وكأنّه كان ينبشُّ بالأوساخ أو ما هو
أسوأ من ذلك.
في تلك اللحظات المروِّعة حاول كلاهما حذف تلك الصور، لكن كان من المحال التخلص منها. وكانت لا تزال التعليقات السلبية تنهال عليهما من كل حدبٍ وصوب. وأصبح منشور ستيف الأكثر رواجًا وقد تمت مشاركة صورة مات خمسون مرة.
بعد ذلك تلقّى كلٌ من
ستيف ومات رسالة– تمامًا كما تلقاها جميع الأشخاص الذين ثبَّتوا تطبيق
"تروبيوتي" - من منشىء التطبيق.
عزيزي المستخدم
شكرًا لك لأنّك حققت
لتروبيوتي نجاحًا باهرًا! فقد حصل خمسون مليون تحميل في غضون أول 24ساعة وهذا أكثر
مما كنت آمل.
أقول بكل صدق يا رفاق،
إنّني مسرور وممتن لكم.
أعلم أنّكم جميعًا
تحرصون على إبراز حقيقتكم فأنتم جميلون من الداخل، مثلما أنكم جميلون من الخارج.
إذا أردتم أن تظهر الصور حقيقتكم، فقد حان الوقت لتكونوا جميلين في الواقع مثلما أنكم في وسائل التواصل
الاجتماعي.
أتمنى لكم يومًا
جميلًا، أيُّها الجميلون
مع حُبي
تروبيوتي
ملاحظة: لا يمكنك حذف
التّصفية أو الصور التي نشرتها باستخدام التطبيق.
وبالمناسبة، بعد استخدامك
تطبيق تروبيوتي لأول مرة، فإنّه تلقائيًا يضاف إلى جميع صورك منذ الآن.
*****
لم يعد ينشر كثير من
الناس صورًا على الشبكة بعد 24 ساعة، فقد نشرت الصحف مقالات بعنوان "من وراء
تروبيوتي"؟ لكن لا أحد يعلم شيئًا عن الأمر. وكانت المعضلة الكبرى أنّه لا
يوجد أيّة طريقة يرى الناس من خلالها فيما إذا امتنع مصفِّي الصور عن تدمير صورهم
غير أن ينشروا صورهم ليروا كيف تم تعديلها.
فالنتائج لم تكن جميلة!
وهنا قدّم مجموعة من
أثرى المؤثِّرين وأوسعهم نفوذًا، مكافأة لمن يتمكّن من إيجاد طريقة لحذف مصفِّي
الصور.
غير أنّه في كل مرة
كانوا يحاولون نشر صورهم الشخصية وهم يحملون المال، كانت النتائج صورًا فظيعة
وبغيضة. ممّا دفعهم إلى الامتناع عن الترويج للمكافأة. فلم تعد الكافاة ذات أهمية
على الإطلاق. وكان مطِّور تطبيق تروبيوتي يسبق أيّ أحد يجري محاولة للتدخُّل في
التكنولوجيا.
*****
تخلّت ستيف عن التقاط
صور بعد أشنع خمس صور التقطتها. فلم يجدِ أيُّ شيء نفعًا، وكل ما كان في وسعها لئلا يشاهد الناس صورها
الردئية التي نشرتها، أن تجعل حسابها خاصًا. والآن لم يعد بإمكان أحد أن يرى أيّ
شيء نشرته عن حياتها. فما هي الغاية من نشر أيِّ شيء بعد الآن؟
خرجت للتجوُّل في الطابق السفلي؛ ينتابها شعور بالكآبة، فمرت بحديقة السيدة روبنسون. بدت الأزهار أجمل من ذي قبل، وقفت مليًا تتنسَّم رائحةً شمتها لأول مرة في حياتها. إنها الجنة! كانت الرائحة تصدر من وردة أرجوانية كبيرة.
قالت لها السيدة روبنسون: "مرحبًا"، فقفزت ستيف. اوه، أعتذر لك، لم أقصد أن أروِّعك. وقفتُ هنا أسقي المزروعات، في مثل هذا الوقت من السنة يترتب عليّ كثير من الأعمال".
أجالت ستيف النظر
حولها. لم يخطر على بالها مقدار الأعمال المتوجِّبة لرعاية الحديقة. وفي الواقع لم
يسبق لها التّحدث مع السيدة روبنسون على الإطلاق. هنا خطرت في بالها فكرة جديدة.
فسألتها ستيف:
"هل تلزمك مساعدة؟"، إذ لم يكن مترتِّبًا عليها كثير من الأعمال في ذلك
اليوم.
"اوه، شكرًا ياعزيزتي! هذا لطفٌ منك!"، بدا على السيدة روبنسون السرور، وشعرت ستيف بالسعادة لأول مرة منذ أن بدأ كابوس تروبيوتي.
بعد مرور ساعتين، لم تبدُ الحديقة مختلفة في نظر ستيف،
لكنّ السيدة روبنسون أخبرتها أنّها قدَّمت لها عونًا كبيرًا مما جعل ستيف تشعر
بفرح كبير. كان أمرًا جميلًا أن تسمع قصص السيدة روبنسون عن الشارع وكيف تغيّر.
فقد كانت فنانة في السابق وفي جعبتها بعض القصص الرائعة.
قالت السيدة روبنسون
بينما كانت ستيف تغادر: "التقطي صورة لنا، فهذه الصورة الشخصية يحبها الجميع
في يومنا هذا".
رفضت ذلك ستيف فمالجدوى من الصور اليوم؟. غير أنّ السيدة روبنسون ستشعر بالسعادة لالتقاط صورة عادية، لذلك ستلتقط صورة هي أيضًا. التقطت صورة سريعة لكلتيهما وهما واقفتان أمام الورود تبتسمان ويتصبب منهما العرق بعض الشيء.
في ذلك المساء تأملت الصورة من هاتفها، ولغير المعتاد أجرت بعض التعديل عليها. غير أنّ الورود بدت جميلة على أيّ حال مع التغيرات التي أجرتها وبدونها. فلا شيء يمكن أن يحسِّن الابتسامات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وجه السيدة روبنسون.
قالت بنفسها، تلك صورة
جميلة حقًا. سيكون من المخزي أن يجعلها تروبيوتي رديئة إذا نشرتها.
ثمّ خطرت لها فكرة، أن
تعيد قراءة رسالة تروبيوتي مرة أخرى.
وبعد ذلك نشرت صورتها،
بعد أن وصلت إلى الشبكة بدت مثلما التقطتها ستيف! لذلك جعلت حسابها عامًا مرة أخرى
وأضافت نصًا.
أنا وجارتي نقوم بزراعة
الحديقة#تروبيوتي#الجمال داخلنا ❤️❤️❤️
*****
رأى مات صورتها وهو أحد متابعي ستيف. في بادئ
الأمر شعر بالسرور لؤرية نشاط في الإشعارات لم يكن مزعجًا. لم يخرج إلى النادي
الرياضي منذ يومين، وظنّ أنّه يعاني من الاكتئاب، لكنّه لم يكن متأكدًا من سبب
مشاعر الحزن التي تنتابه، أبسبب غيابه عن التمرن أم بسبب مشاهدته جميع الصور المزعجة
والمروِّعة.
في تلك الأثناء حين أبصر منشور ستيف، خطرت له فكرة. قد لا تجدِ نفعًا لكن لاضَير من المحاولة. أجال النظر في شقته وجمع جميع الأوراق والأكياس والزجاجات التي وجدها وجعلها ثلاثة أكوام منفصلة. ثم خرج ليقرع باب جارته ليرى فيما إذا ستقبل أن يحمل قمامتها إلى سلة المهملات. لكن فتحت الباب أمٌ لطفل بدت في سن الشباب، وقد بدت متفاجئة بطلبه الذي قبلته بسرور.
ولما عاد مات ونشر صورته الشخصية التي التقطها جانب السلة الخضراء المخصّصة للزجاج وكتب هاشتاغ #تروبيوتي والذي كان بدوره خامس أشهر هاشتاغ. حظيت صورته بإعجاب الكثيرين، رغم أنّها لم تكن متميزة بشيء. إنّها ابتسامة شاب يؤدي مهمته
الاعتيادية ليس إلا، بعد أن قدّم يد المساعدة لجارته. كانت صورةً
جميلةً حقًا!
ترجمة: أ.ظلال مصطفى صباغ
القصة باللغة الانجليزية: من هنا