هل طفلكِ بحاجة إلى نظّارات
بقلم نيكولا آبلتون
تُعدُّ القدرة على رؤية العالم بوضوح أمراً مهماً لنمو الطفل. فقد يولد بعض الأطفال بمشاكلَ بصريةٍ يُمكن رصدها عند الولادة، ويمكن أن يصاب البعض الآخر بمشاكل بصرية لايمكن الكشف عنها إلّا أثناءَ اختبار فحص العيون.
فتراجُع الأداء الدراسي، والإعراض عن النّظرإلى الكتب و الصور، أو وجود مشاكل بصرية وراثية في العائلة، كل هذه دلائلُ تُشير إلى أنّ طفلكِ قد يعاني من ضعفٍ في الرؤية. وقد تُصبح بعض المشاكل البصرية دائمةً إذا تُركت دون علاج.
والخبر المفرح أنّ كثيرًا من المشاكل البصرية لدى الأطفال يمكن أن تُعالج
بالنّظّارات إذا تم اكتشافها مبكرًا. وإليكِ طريقة معرفة ما إن كان طفلكِ بحاجة
إلى نظّارات.
مشاكل بصرية شائعة لدى الأطفال
توجد مشاكل بصرية كثيرة قد تؤثّر في قدرة الطفل على الرؤية بوضوح. وعلى الرغم من ذلك، يعدُّ الغَمَشُ أو الحَوَل أشهر الأمراض البصرية التي تصيب الأطفال وأكثرها شيوعاً، ويُشار إليه أيضًا باسم العين الكسولة.
والغَمَشُ عبارة عن مشاكل في نمو العصب البصري، ويعني هذا أنّ هناك ضَعفاً في النّاقل العصبي في إحدى العينين ( أو كلتيهما ولكن نادراً) . ويتسبّب هذا بكون إحدى العينين أضعف من الأخرى، وقد يصبح الغَمَشُ إعاقة بصرية دائمة إذا لم يتم علاجه.
تقول هيذر سيمينو، وهي طبيبة عامّة وأخصّائية عظام وطبيبة بصريات متخصّصة في المشاكل البصرية العامّة التي تصيب الأطفال، تعمل في عيادة كليفلاند بمدينة أوهايو الأمريكية وبرنامج فيجن فيرست، وهو برنامج متخصّص في تَقَصي أمراض العيون لدى الأطفال في مدينة كليفلاند : لعل أكثر ما يُخيفنا هو مرض الغمش، فإذا كان هناك عين واحدة تبصر بشكل أفضل من الأخرى منذ الولادة أو في مراحل مبكرة من الطفولة، عندها يبدأ الدماغ في إهمال العين الضعيفة شيئاً فشيئاً.
وبما أنّه يمكن إصلاح غمش العينين عند الأطفال بالنّظّارات غالباً، فإنّ العلاج يكون أكثر فعالية لدى الأطفال في سنٍّ مبكرة، إذ تشير بعض الدراسات إلى أنّ الشّفاء التامّ من هذا المرض بعد بلوغ سنّ السابعة أمرٌ صعب. وتقول الدكتورة سيمينو: إذا كان الطفل مصاباً بالغمش ولم يتم علاجه وبلغ الطفل سنَّ الثّانية عشرة، فإنّ إمكانية شفائه تماماً أمرٌ صعب للغاية، فالغمش مرض يمكن علاجه والشفاء منه تماماً، ولكن يجب أن يكون ذلك في سنٍّ مبكرة.
وتَشمل المشاكل البصرية الشائعة الأخرى أخطاءَ الانكسار البصري كطول النّظر وحَسر النّظر أو قِصر النّظر. ويتسبّب طول النّظر في رؤية الأشياء القريبة بصورة ضبابية أو مشوّشة، فيما يتسبّب قصر النّظر بصعوبة في رؤية الأشياء البعيدة.
وعلى الرغم من أنّ قصر النّظر في العادة أمرٌ وراثي، فإنّ معدّلات الإصابة بهذا المرض مستمرة في الارتفاع بين الأطفال، فيما يعزو الخبراء هذا الأمر إلى إطالة الأطفال النّظر إلى الشاشات. يقول لاكمي هاريهاران، وهو طبيب عام، وحاصل على درجة الماجستير في الصحة العامة، ومتخصّص في الأمراض البصرية لدى الأطفال في مستشفى نيكولاس للأطفال في مايامي، فلوريدا، وطبيب بصريات معتمد: لقد رأيتُ خلال ممارستي لمهنتي زيادةً في عدد الأطفال الذين يحتاجون لارتداء النّظارات لأنّهم يعانون من قصر النّظر بسبب لعبهم المستمر بالأجهزة الذكية، وبسبب إجهاد العين النّاجم عن التعليم البصري الذي يمارسونه هذه الأيام.
ويُعد الحَوَل مرضاً بصرياً شائعاً بين الاطفال، ويُصنف على أنّه انحرافٌ في العينين. وما ينتج عن هذا المرض هو أنّ العينين لا تُحدقانِ في نفس الاتجاه. وقد تكون الإصابة بالغمش أو طول النّظر الشديد أو مرض آخر هي السبب وراء الحول. وفي حين يَسهل التّعرف على أعراض وعلامات الحول نسبيا، فليس كل المشاكل البصرية سهلة الاكتشاف، لذا فمن المهم معرفة العلامات الدّالّة على وجود مشاكل بصرية عند الأطفال.
علامات تُخبر أنّ طفلكِ قد يكون بحاجة إلى نظّارات
قد يجد الأطفال صعوبةً في إخبار أولياء
أمورهم أنّهم يعانون من مشاكل في النّظر، و يرجع ذلك إلى عدّة أسباب. فعلى سبيل
المثال، قد يكون ذلك لصِغَر سنِّهم، أو قد يعتقدون أنّ مَحدوديّة بصرهم أمرٌ
طبيعي. ولحسن الحظّ توجد علامات محددة يمكن تقصيها بدلاً من ذلك.
تَراجع الأداء الدراسي
قد تُؤثر المشاكل البصرية عند الطفل على تقدّمه الدراسي. يقول الدكتور هاريهاران: إذا بدأ الطفل بِالعبث في المدرسة، أو التصرف بشكل غير ملائم، أو كان أدائه الدراسي رديئاً؛ فقد يكون ذلك راجعاً إلى عدم قدرته على رؤية ما يجري حوله. وقد رأيتُ هؤلاء الأطفال تنقلب أحوالهم في تصرفاتهم وأدائهم الدراسي إلى الأفضل بشكل كلّي بعد ارتدائهم للنّظّارات.
فعدم القدرة على الانتباه والإعراض عن التركيز في المهام القريبة من النّظر
كالقراءة والكتابة قد تكون علامة على أنّ الطفل يعاني من قصور التّقارب، وهو حالة
تؤثر على قدرة الطفل على التركيز في الأشياء القريبة.
العامل الوراثي
يَعتمد ارتداء طفلكِ للنّظّارات على الجينات
في معظم الأحيان. حيث يُعد كل من قِصر النّظر وطول النّظر والغَمَش (العين
الكسولة) أمراضاً وراثيةً، ما يعني أنّها تنتقل وراثياً من جيل إلى جيل.
تقول الدكتورة سيمينو: ممّا لا شك فيه أنّه إن كان هنالك تاريخ عائلي مع المرض، أو كان الوالدان أو أحدهما يرتدي النّظّارات منذ الصّغر، فهناك احتمالية كبيرة أن يكون عند أطفالهم مشاكل في الرؤية، لذا فهو أمر يجدر النّظر فيه. ويمكن أن تكون الإصابة بقصر النظر أمراً طبيعياً إن كان كلا الوالدين مصابين بقصر النّظر.
إذا كانت العينان لا تتابعان معا
من الشائعٌ أن تنحرف أعين الرُّضَّع أو تتقاطع.
ولكن إذا كانت العينان لا تتحركان بمحاذاة بعضهما البعض بعد مدة أقصاها ستة أشهر،
فقد تكون هذه علامةً على الإصابة بالغمش (العين الكسولة) أو الحَوَل.
وقد تلاحظين الخَلَل بوضوح أكثر عندما يتعب طفلك.
وعلى الرغم من ذلك، قد يكون طفلكِ مصاباً بالغمش رغم أنّ عينيه تبدوان متوافقتين معاً، لذا من الضّروري فحص نظره بانتظام. تقول سيمينو: قد تبدو العينان متحاذيتين معظم الوقت، وقد يبدو أنّ الطفل بخير، ويتعلم دروسه؛ وينجز فروضه لأنّ العين القويّة عنده تَسُدُّ هذا الخلل.
الاقتراب من الأشياء بشكل غير معتاد
إذا كان طفلكِ معتاداً على حمل الكتاب ورفعه
لسنتيمترات قليلة بعيداً عن أنفه فقد يدل هذا على كونه يعاني من قصر النّظر، ممّا
يعني أنّه يجد صعوبه في رؤية الأشياء البعيدة. تقول الدكتورة سينيمون: إذا كان يَقف
قريباً من شاشة التلفاز ويرفض أن يتم إبعاده عنها، فقد تكون هذه علامة على وجود
مشكلة ما.
الإعراض عن التركيز في المهام التي تتطلب التحديق في الأشياء القريبة
قد يكون إعراض الطفل عن قراءة الكتب والنّظر
في الصّور، أو التركيز في غيرها من المهام القريبة من العين علامة واضحة على إصابته
بطول النّظر أو قصور التّقارب، حيث يتسبّب كل منهما في جعل الأشياء القريبة تبدو
ضبابية أو مشوّشة. تقول الدكتورة سيمينو: إذا لاحظ الوالدان نفور الطفل التامّ عن
التركيز في الأشياء القريبة، فقد يكون هذا دليلا على وجود خلل ما.
ضمُّ الجفون
فلربما لاحظتِ طفلكِ يُغَضِّنُ وجهه (أي يَثنيه
ويُجعده) ويضيِّقُ عينيه عندما يريد التركيز في شيء ما. حيث يؤثر في شكل العين
مؤقتا، وهذا قد يكون آليّة للتّكيف مع مشاكل بصرية انكسارية كحَسر النّظر (قصر النّظر)
وطول النّظر.
يقول الدكتور هاريهاران: إذا كان الطفل يضُّم جفنيه ليرى الأشياء، أو يحمل الأشياء بالقرب من عينيه، أو يَحُكُّهُا أو يرمش عيناه، أو تتقاربُ عيناه أو تتباعد؛ فكل هذه علامات قد تنبئ بوجود مشاكل في الرؤية.
الصداع المتكرر
قد يَتسبّب التحديق لوقت طويل في الشّاشات سواءٌ أكان لغرض دراسيٍ أو تسلية أو للتّحدث مع الأصدقاء بالإصابة بضعف النّظر أو إجهاد العين. حيث يسبب إجهاد العين شعوراً بجفاف أو تعب العينين لدى الطفل، وقد ينتج عنه صداع متكرر أيضا.
ويوضح الدكتور هاريهاران قائلاً: تتسبّب الأجهزة الحديثة في تحديق الأطفال بها عن قرب لفترات طويلة، وبما أنّه لا يفترض بنا التحديق بالاشياء القريبة لفترات طويلة على الدوام، فقد يسبب ذلك إجهاداً للعينين وصداعاً في الرأس.
يَتلاشى إجهاد العين عادةً بعد أخذ قسط من
الراحة، لذا يَنصح الدكتور لاكمي بأخذ راحةٍ من التحديق في الشّاشات كل عشرين
دقيقة، ثمّ التحديق في شيء على بعد سبعة أمتار، و الرمش (
أي إغلاق العينين وفتحهما) عشرين مرّة. ومن ناحية أخرى يُعد الصداع المتكرر من
الأعراض الشائعة لطول النّظر وحسر النظر وعدم كفاية التقارب، لذا من الضوري إجراء
فحص للعينين في حالة الشكوى من الصداع المتكرر.
كيفية عمل اختبار فحص العيون
يتم تَشخيص 6.8% تقريباً من الأطفال في أمريكا بمرض في العين أو مشاكل في الرؤية، ويمكن علاج معظم الحالات من خلال التداوي. ولكن قد يؤدي عدم التدخّل الطبيّ إلى مشاكل دائمة في الرؤية. يقول الدكتور هاريهاران: لقد رأيتُ طفلا عاد نظره من 400/20 إلى 20/ 20 بسبب استخدام رُقعة العين، وبالتالي فمفتاح نجاح العلاج هو باكتشاف العلة باكراً.
يتم فحص عيون طفلكِ لأول مرة عند الولادة، حيث يقوم أخصائي الأطفال أو غيره من المتخصّصين المحترفين بتقييم عيون الأطفال وفحصها بحثاً عن أي مؤشراتٍ صحيةٍ مبكرة. وَتنصح الأكاديمية الأمريكية لطبّ العيون (الرّمد) بمتابعة فحص عيون الأطفال بين عمر 6 أشهر و12 شهراً، وفحصها مرة اخرى بين عمر 12 شهراً و3 سنوات، وفحصها مرة ثالثة بين عمر 3 سنوات و5 سنوات.
ويمكن أن يقوم أخصائيّ الأطفال أو طبيب العائلة بهذه الفحوصات، ولكن يُفضل أخذ الطفل إلى طبيب العيون عند الحاجة إلى فحص شامل.
ونحن نَنصح دائماً بعمل فحص شامل لنظر الطفل قبل دخوله إلى الرّوضة، وذلك لأنّه في بعض الأحيان قد لا تَظهرأيّ علامات ولا أعراض، ولا يزال هناك مشاكل في الرؤية.
الطبيبة وأخصائية العيون هيذر سيمينو.
وسَيكون طفلكِ جاهزاً لأول فحص شامل للعيون عند عمر ثلاث سنوات على يد طبيب عيون الأطفال أو أخصائي البصريات. حيث أنّ فحص العيون يَختبر الصحة العامة لعيون الطفل بشكل أعمق. تقول الدكتورة سيمينو: نحن نَنصح دائماً بعمل فحص شامل لنظر الطفل قبل دخوله إلى الروضة، وذلك لأنّه في بعض الأحيان قد لا تظهرأي علامات ولا أعراض، ولا زالت هناك مشاكل في الرؤية.
وبما أنّ لكل أخصائي طرقاً مختلفة يستخدمها، فمن المرجّح أن يكون الهدف من أول اختبار عيون شامل لطفلكِ جمع معلومات حول الأمراض والمشاكل البصرية التي قد تنتقل وراثياً. فإذا كان طفلكِ يجيد القراءة، فسيُطلب منه قراءة حروفٍ أكبر من الأخرى.
أمّا
الأطفال الأصغر سنّاً، فسيُطلب منهم الإشارة إلى الصور بدلا من ذلك. يقول الدكتور هاريهاران:
سيكون أطباء عيون الأطفال وأخصائيو البصريات مُعَدِّين بطريقة خاصّة لفحص نظر
الطفل من خلال الألعاب.
وتوضح الدكتورة سيمينو قائلة: سوف نَتعامل مع كلتا العينين، من خلال فحص عضلات العينين، والتأكد من أنّهما تعملان معا، وأنّهما تمتلكان رؤية تجسيمية أو إدراك العمق. وبما أنّ نسبة الإصابة بعمى الألوان في الذكور أعلى ممّا هي في الإناث، يمكن فحص قُصور اللّونين الأحمر والاخضر لديهم. وبناءاً على نتيجة الفحص، قد يُطلب منكِ إحضار طفلكِ خلال ستّة أشهر إلى سنة ليَخضع للفحص مرة ثانية.
وتَنصح جمعية البصريات الأمريكية بإجراء فحص
العيون للطفل مرةً كل عامين بعد دخوله للمدرسة. ويتم إجراء هذه الفحوصات غالباً من
خلال برامج فحص النّظر التي تقوم بها المدارس. ولكن لا تَتَردّدي في القيام
بالمزيد من الفحوصات عند طبيب العيون أو النظاراتي إن شعرتِ أنّ طفلكِ تَظهر عليه
أعراض الإصابة بمشاكل في الرؤية. وتختم الدكتورة سيمينو قائلة: كلّما سارعنا في الكشف
عن هذه العلل الصغيرة كان أفضل، لأنّهم سيحتاجون أعينهم لبقيّة حياتهم.
تدقيق: أ.ظلال مصطفى صباغ