لماذا نكره أصواتنا المُسجّلَة؟
أينتقدُ الصّوت الذي يتردد في رأسك الصوت الصادر
من جهاز التسجيل؟
بقلم نيل بات
بصفتي جرَّاح متخصص في معالجة المرضى الذين يعانون من مشاكل في الصوت، فإنّني أقوم بشكل روتينيّ بتسجيل أصوات مرضاي أثناء تحدّثهم. فهذه التسجيلات بالنسبة لي ذات قيمة إلى حدٍ يصعب تصديقه. إنّها تساعدني على تتبّع التغيّرات الطفيفة في أصواتهم من زيارة إلى أُخرى. كما أنّها تساعدني على التأكّد فيما إذا كانت الجراحة أو العلاج الصوتّي قد أحدثا أيّة تحسينات.
وبرغم هذا، فإنّني مُتفاجئ من الصعوبة التي قد تصل لها هذه الجلسات بالنسبة لمرضاي. يصبح العديدون غير مرتاحين بشكل واضح عند سماع تسجيلات أصواتهم حين يُعاد تشغيلها.
"هل أبدو هكذا حقاً؟" يتساءلون
بذُعر.
(نعم، تبدو هكذا.)
يصبح البعض مشتتاً للغاية ويرفض تماماً الاستماع إلى التسجيلات – وقلّة منهم يلاحظون التغيّرات الطفيفة التي أريدُ إبرازها.
إنّ عدم الراحة التي نشعر بها حيال سماع أصواتنا في التسجيلات الصوتية تعود إلى أسباب تخص كلاً من علم وظائف الأعضاء وعلم النّفس.
إذ تختلف طريقة انتقال الصوت في تسجيل صوتيّ إلى أدمغتنا عن الصوت الذي يتولّد أثناء التحدث.
حين تستمع إلى تسجيل لصوتك، ينتقل هذا الصوت عبر الهواء ويدخل إلى أُذنك -هذا ما يُشار إليه ب "النّقل الهوائي". حيث تسبب طاقة الصوت اهتزازاً في طبلة الأُذن وعظام الأُذن الدقيقة. بعدها تقوم هذه العظام الدقيقة بنقل اهتزاز الصوت إلى القوقعة وهذا بدوره يحفّز المحور العصبي الذي يرسل الإشارات السّمعيّة إلى الدماغ.
وعندما تتحدّث، فإنّ صوتك يصل إلى الأذن الداخلية بطريقة مختلفة. بينما جزء من الصوت ينتقل بواسطة النّقل الهوائي، فمعظم الصوت يُنقل داخلياً ومباشرة خلال عظام الجمجمة. فحين تسمع صوتك أثناء التحدّث، يحدث هذا بسبب مزيج بين النقل الداخليّ والخارجيّ إذ يعزّز النقل العظمي الداخلي الترددات المنخفضة.
ولهذا
السبب
يسمع النّاس
أصواتهم بصورة أعمق وأغنى عندما يتحدّثون. وبالمقارنة مع هذا،
فقد يبدو
الصوت المُسجّل رفيعاً أكثر وبطبقة صوت أعلى، وهذا ما يجدُه البعض مثيراً للإحراج.
كما أنّ هناك سبب آخر يجعل سماع تسجيل صوتكَ أمراً مزعجاً. إنّه حقاً صوت جديد -حيث يُظهِر اختلافاً بين إداركك الذاتي والواقع. ولأنّ صوتك فريد وهو عنصر مهمّ لهويّتك الذاتيّة، فإنّ هذا الختلاف قد يكون مُزعجاً. مما يجعلك تدرك فجأةً أنّ النّاس كانوا يسمعونَ صوتاً مختلفاً كليّاً.
ومع أننا قد نبدو مطابقين لتسجيلاتنا الصوتيّة بالنسبة للآخرين، إلا أنّني أعتقد أن السبب وراء خجلنا من سماعها هو ليس أنّ صوتنا المُسجّل هو أسوأ من الصوت الذي نسمعه؛ إذ أنّنا معتادون على سماع أصواتنا بطريقة معيّنة.
فقد قامت دراسة نُشرَت في عام 2005 بالطلب من المرضى الذين يعانون من مشاكل بالصوت بتقييم أصواتهم المُسجّلَة. كما طلبت من أطبّاء سريريين بتقيم الأصوات. وقد وجد الباحثون أن المرضى -وبوجه عام- كانوا يميلون لتقييم جودة تسجيلات أصواتهم بشكل أكثر سلبية مقارنة بالتقييمات الحيادية للأطباء السريريين.